قصه مدينة العميان
انت في الصفحة 1 من صفحتين
القصة كاملة
كان يا مكان في قديم الزمان بلاد تحت الجبل يشتغل أهلها في دباغة الجلود وكانو بسطاء لا يعرفون سوى هذه المهنة التي ورثوها أبا عن جد لم يكن يوجد في تلك البلاد مدارس فهم يقولون أن الصنعة أحسن من العلم ولذلك ليس فيهم من يعرف القراءة والكتابة وفي أول كل شهر يمر بهم أحد التجار يقايض بضاعتهم بما يلزمهم من القمح والزيت واللباس ونادرا ما يدفع لهم مالا . ونتيجة لنمط عيشهم لم يكونون بحاجة إلى أشياء كثيرة وبيوتهم مبنية بالحجارة والطين ومسقوفة بجذوع الأشجار والقش وفي الغابة القريبة يجدون الحطب والأعشاب الطبية والأرانب والطيور لم يكونوا يذهبون إلى أحد ولا يجيئهم إلا بعض تجار الجلود الذين يعرفون تلك البلاد .
أجابها الرجل حتى أنت لم تعد تعجبك حياتنا ! قالت له أريده أن يتعلم على الأقل القراءة والكتابة ولا عيب في هذا !!! ضړب كفا بكف وقال لو فكر أهل القرية مثلك فإن ذلك يعني نهاية عاداتنا وتقاليدنا التي عشنا بها وأنا لا أمانع في أن يذهب لعل الله يوفقه فهذا الولد لا يصلح لصناعة الجلد ولا لأي عمل يدوي آخر ويعتقد نفسه أحسن منا .في الغد ركب سعيد الحمار وسار إلى المدينة ولما ډخلها تعجب من إتساع أزقتها وكثرة بيوتها وتسللت إلى أنفه رائحة الفطائر والأطعمة الساخنة ورأى الناس تأكل وتجلس في المقاهي فإبتلع ريقه وواصل طريقه يسأل عن الثكنة .
تختبرني يا سيدي ضحك وأجابه خمسة من عساكري لم يقدروا أن يغلبوك أليس هذا كافيا قال الولد سأرجع الآن وأخبر أبي وأمي وآتي غدا سار سعيد في طريقه والدنيا لا تسعه من الفرحمعي لكن الأب تردد وأجابه ليس الآن المرة القادمة كان سعيد متحمسا ويطيع القائد في كل ما يأمره به فأعجبه وأكثر من ذلك أظهر براعته في الرماية بالبنادق والضړب بالسيوف .
ولم تمض سنة حتى صار ضابط صف وسعد أبواه بذلك أحد الأيام قال له القائد سآخذك إلى قصر الباي مع سرية من العساكر فهناك حفلة لعيد ميلاد إبنته صفية يحضر فيها كبار الأعيان لما وصلوا إنضم القائد للمدعوين أما سعيد فوقف على باب القاعة الكبيرة ينظر لما حوله وهو متحير لمظاهر الرخاء والبذخ فجأة دخلت إبنة السلطان مع رفيقاتها ولما التفتت إليه أحست أنه ينظر إليها بدهشة .دخلت الفتاة لكن بقي بالها مشغولا به فقد كان سعيد فتى طويلا و جميل الوجه إنهمك الجميع في الأكل والغناء أما صفية فبقيت صامتة .
فهمت أحد البنات سبب شرود صفية ونظراتها نحو الباب فأمسكت سعيد من ذراعه وأدخلته القاعة ولما رأته بنت الباي أمامها إحمر وجهها وتلعثمت أما هو فنزع قبعته وحياها بأدب دون أن يرفع نظره عن الأرض وقال أجمل الأعياد لمولاتي ثم دار لكي يخرج لكنها قالت يمكنك الانضمام
إلينا فالأكل كثير !!! مد سعيد يده وأخذ طبقا ملأه بالحلوى وبدأ يأكل مع الأميرة فطابت نفسها وأكلت هي أيضا .
كان الباي يحب إبنته كثيرا ولما رأى الفرحة على وجهها وسمع ضحكتها عرف أنها متعلقة بذلك الفتى سعيد فأمر بتعيينه ضمن حرسه وأصبح يرافقه في كل مكان يذهب إليه ويخرج معه للصيد وكان سعيد بارعا في الرمي ولا يخطأ الهدف فإنبهر به الباي وأمر بترقيته إلى ضابط برتبة يوزباشي وجعله رئيسا للحرس. بدأ غرور سعيد يزداد وأصبح نادرا ما يذهب لرؤية أهله وتوقف عن إرسال المال لهم وصار كل همه الثراء ولا يخجل أن يطب مالا من إبنة الباي ويختلق كل مرة عذرا ولم يمر أقل من عام حتى إشترى دارا كبيرة لكنه لم يكتف بذلكوزاد جشعه وأصبح يتأفف من الفقراءويبتعد عنهم كان يريد أن ينسى الناس أنه من جبل العميان وأن أبواه فقيرين يصنعان الجلد .
أحد الأيام مرضت أمه عليه فلم تره وتسمع أخباره منذ مدة طويلة فحمل له أبوه جرابا من الطعام الذي يحبه وركب حماره إلى المدينة ولما وصل إلى ثكنة العساكر أعلموه أن إبنه صار رئيس الحرس في قصر الباي وأنه تغير كثيرا فتعجب الشيخ وقال في نفسه من كان يظن أن ذلك الولد الفقيريصل إلى هذه المكانة لقد كان على حق بالخروج من ذلك الجبل وربما حان الوقت لنا جميعا لنفعل مثلهكان يمشي ويفكر حتى وصل أمام